مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
 
 
 
نداء إلى الأمة السورية [31
 
 
 
سورية الجديدة،سان باولو،العددان 19 و 20، 1939/7/15
 
عن شعبة سورية الجديدة في لبنان
 
بيروت -  1يوليو/تموز - أذاع الحزب السوري القومي النداء التالي إلى الأمة السورية والذي نرسله إليكم بحروفه:
 
تدرس الحكومة الفرنسية اليوم مشروعاً يقضي بتجزئة سورية تجزئة جديدة، بحيث تقسم الدولة الشامية إلى أربع مناطق يديرها مستشارون فرنسيون بواسطة «حكّام» سوريين من المستعدين دائماً لبيع مصالح الشعب السوري بأية وظيفة وأي معاش ولأية مدة كانت.
 
إنّ نيات السياسة الفرنسية في بلادنا لم تكن يوماً بخافية علينا. ولقد بذل الزعيم مجهوداً كبيراً لحمل الفرنسيين على الإقلاع عن هذه السياسة المقصود منها إهلاك الشعب السوري والقضاء على الأساس السياسي الاقتصادي لكيان الأمة السورية، مبيّناً للمسؤولين الفرنسيين وخامة عاقبة هذه السياسة لفرنسة نفسها وأفضلية سلوك سياسة الاعتراف للأمة السورية بحقها في تقرير مصيرها ولكن فرنسة فضلت السير في سياستها إلى النهاية متخذة من عقم «الكتلة الوطنية» وحكومتها وسيلة لتنفيذ أغراضها بدون حادث أو صدمة.
 
وقد حذّر زعيمنا الحكومات السورية والشعب من السياسة الفرنسية ومناوراتها وأظهر تساهلاً كبيراً بمحاولاته التفاهم مع حكومة الكتلة الشامية على خطة عامة تؤول إلى إحباط مناورات هذه السياسة، ولكن الشركات السياسية لم تشأ أن ترعوي عن غيّها وبقيت مسترسلة في صلفها وغرورها إلى أن وصلت إلى النتيجة التي سعت إليها بنفسها ولا مفر لمن سلك مسالكها منها.
 
تجاه هذا المشروع الفرنسي الجديد وتجاه المساومة الفرنسية - البريطانية - التركية الجديدة، يقف كل سوري قومي في مكانه مصغياً إلى صوت الزعيم مستعداً لتنفيذ أوامره. وكلمة الزعيم الآن هي هذه الرسالة الموجهة إلى السوريين القوميين والشعب السوري عامة. فلنكن في أماكننا مستعدين:
 
           «عمدة الإذاعة»
 
أيها السوريون القوميون،
مرّت في هذه السنة الماضية أحداث خطيرة اضطرب لها العالم وتشنجت أعصاب السياسة الإنترناسيونية، فتفاقم الأمر وبلغ حد تعبئة الصفوف وتحريك الجيوش ولكن، مع كل ذلك، لم أجد لي حاجة بتوجيه رسالة أو خطاب إليكم لأنني كنت شبه موقن بأن الأزمة التي اشتدت في سبتمبر/أيلول الماضي ستنحلّ بدون عملية عامة وبأن المظاهر التي عرضت على المرسح الأوروبي لم تكن ذات قيمة حقيقية أو مستمدة من عزم حقيقي على الوقوف موقفاً حاسماً.
 
أما الآن فأشعر أنّ العالم يتجه بسرعة نحو موقف فاصل توضع فيه مقدرات الأمم في محكمة القوة أو محكمة حق المصالح. فرأيت، في هذا الزمن التاريخي، أن أوجه إليكم هذه الرسالة الصريحة لتكونوا على بيّنة من الموقف وليتأهب كلٌّ منكم تأهباً تاماً ليقوم بواجبه على أفضل وجه حينما تصدر الإشارة. وأنتم تفهمون جيداً ما أعني!
 
إنّ الساعة التي تتمكنون فيها من أن تبرهنوا للعالم ما معنى وجودكم وكيانكم، تدنو مستعجلة! في هذه الساعة المقتربة توضع مثُلُكم العليا في معترك تنازع الحياة الجيدة والتفوق. ومصيركم يتوقف على مصيرها!
 
في هذه الساعة الآتية ستعرفون التاريخ والتاريخ سيعرفكم!
 
إنني أثق وأوقن من أنكم ستكونون في ذلك الموقف كما أنتظر أن تكونوا!
 
يا ذوي الألبسة الرصاصية! يا رجال الزوبعة الحمراء!
 
إنكم قد تعرضتم حتى الآن، لاضطهادات ومعارك عنيفة كان سلاحكم فيها الصبر الجميل الذي أظهر عظيم قوّتكم ومتانة نظامكم وسموّ مناقبكم. إنكم لم تستعملوا غير هذا السلاح ليس لعجز منكم، بل لأني أنا أردت ألا تستعملوا غيره فاختبرت بهذه الطريقة قوة نفوسكم لأنه أهون جداً على المرء في المواقف العصيبة أن يخرج عن طوقه من أن يصبر على الشدة، وأنتم تعلمون جيداً أني ما طلبت منكم إلا ما فرضته على نفسي وتقدمتكم فيه!
 
هنالك أيامنا التاريخية تشهد لنا أننا لم نلجأ إلى الصبر تجاه العنف، عن عجز بل عن مقدرة!
 
أذكّركم بيوم عماطور - الشوف.ألم تقفوا في ذلك اليوم الشهير تجاه القوة المسلحة المرسلة لتفريق شملكم وبعثرة صفوفكم موقف النظام الدقيق والطاعة المثلى فلم تحرّكوا ساكناً والسماء والأرض ومن فيهما شهدوا بأني لو شئت اختيار غير هذا الموقف ومقابلة العنف بالعنف لكان انتصارنا بالقوة أكيداً كما كان انتصارنا بالصبر!
أذكّركم بيوم بكفيا وقد هاجمتكم القوة المسلحة بقصد انتزاع أعلامكم فأطبقتم عليها إطباق فك أسد على عنق غزال وأرسل إليَّ قائدكم يخبرني بأن القوة المدججة بالسلاح قد أصبحت في قبضتنا ويسأل تعليمات جديدة فأشرت عليكم بالعفّ عن القوة التي لم يستحق قائدها هذه المعاملة النبيلة!

أذكّركم بيوم طرطوس حين تآلبت جموعكم وجاءت ومشى الشعب كله معها وما حرّك العدو ساكناً!

أذكّركم بيوم دمشق حين وقفت صفوفكم أمام الجامع الأموي في يوم الإسكندرونة وحاولت بعض العناصر الشيوعية الاعتداء على بعض الرفقاء الذين كانوا في الداخل، وكانت تلك العناصر متفاهمة مع رجال الحكم ضدكم ومؤيدة من رجال الأمن، فكفت جريدتان أو ثلاث جرائد منكم للسيطرة على الموقف والاقتصاص من المعتدين وإعادة الأمن إلى نصابه وحمايته من «رجال الأمن» حتى صفّقت الجماهير لعملكم وهتفت لكم وتجاوب صدى إجراءاتكم الباهرة في موسكو وباريس!

أذكّركم بيوم طرطوس حين تألبت جموعكم وجاءت القوات المسلحة، ثم ارتدّت على أعقابها حين رأت ما يؤول إليه الاشتباك معكم!

ويوم صافيتا! ويوم تلكلخ وكواكب فرسانه! ويوم بتربل ومناوراته!

لقد أساء الناس فهمكم. وهو ما حملني على القول في يوم طرابلس - الكورة: «إننا قد انتصرنا بالصبر والاحتمال ولكننا نقدر، حين لا ينفع الصبر، على الانتصار بوسائل أخرى»!

أذكّركم بكل ذلك لتعلموا أنّ قيمة العظمة الحقيقية لا تزول ولا تنزل عن مرتبتها. إني أعرف نفسي وأعرفكم وأثق بنفسي وأثق بكم في الصبر والاحتمال وفي الإقدام والتضحية!

إنكم قد قمتم بعمل عظيم ولكن عظمتكم الحقيقية لا تقف عند هذا الحد ولا تتخلى عن العمل الفاصل الذي يتوقف عليه مصير مصالحكم وإرادتكم ومثلكم العليا وحقوقكم في الحياة!

يا رفقائي،
لستُ بناسٍ ولا أخالكم ناسين أننا قد تعاقدنا في الحزب السوري القومي على تحقيق أمر خطير جداً يساوي وجودنا ألا وهو: إنشاء دولتنا المستقلة على أساس مبادئنا الثابتة وجعل إرادتنا نحن نافذة في كل ما له علاقة بوطننا وشؤون حياتنا وحقوقنا. ولست بمتراجع ولا أخالكم متراجعين!

إننا قد تعاهدنا على إنشاء دولتنا المستقلة. ومنذ تلك الساعة نشأ في الأمة السورية الوجدان القومي الممثل بكم - بعقيدتكم ونظامكم ومناقبكم وأعمالكم. منذ تلك الساعة بعثت الأمة السورية وابتدأ كيانها السياسي بنشوء الحزب السوري القومي الذي هو بالفعل دولة الشعب السوري المستقلة!

هذا هو عملكم العظيم الذي أثبته تاريخ الحركة السورية القومية. ولكن العمل الأعظم الذي أطلب منكم الآن أن توجهوا كل قواكم الروحية - المادية إليه هو: حمل الأمم والدول على الاعتراف بأمتنا ودولتنا - على الاعتراف بحقنا في الحياة ومركزنا بين الأمم والدول. هو جعل إرادتنا في حقوقنا ومصيرنا مقبولة ومحترمة. هذه هي النقطة العظمى التي أطلب منكم، في هذا الوقت، أن توجهوا جهودكم إليها واثقاً من أنكم جديرون بأن أوجه إليكم هذا الطلب ومن أني لا أكلفكم ما لا طاقة لكم به!

إني من أجل ثقتي بكم ومن أجل أنكم قوة الوجدان القومي، أوجه في الموقف العصيب، كلامي إليكم أولاً!

وفي هذا الموقف العصيب أريد أن أعلن لكم ما يلي:
إني سرتُ بكم مدة سبع سنين طويلة في طريق اللين والتساهل والصبر والاحتمال. فحمّلت نفسي وحمّلتكم ما كنت واثقاً من أننا نقدر على حمله. ووجهت منذ البدء دعوتي وندائي إلى العناصر والشركات السياسية التي ادعت العمل لمصلحة الشعب. وكررت الدعوة والنداء في ظروف متعددة وضعت فيها مصالح أمتنا بين الوجود والعدم للاشتراك في إنشاء جبهة قومية يوضع لها خطة تعاونية تشترك عناصرها في تنفيذها. وأشرت من سجني الأول، بإرسال وفدٍ للاتصال بعناصر «الكتلة الوطنية» وإقناعها بوجوب توحيد العمل قبل التوغل في المخابرات والمفاوضات، لعقد معاهدة مع الدولة المنتدبة. ولكن تلك الشركة المحدودة قابلت حسن نيتي ودعواتي ونداءاتي بفتور غريب وفعلت، كل ما في وسعها، لإقصاء حركتكم عن صميم العمل السياسي. ومع ذلك فإني لم أتردد في تقديم كل مساعدة سياسية لها اعتقدت أنها في مصلحة قضيتنا القومية. ولكن لم أغفل إسماعها وإسماع الرأي العام إنذاري لها وللشركات اللبنانية من سوء عاقبة السياسة الخصوصية التي تسير عليها، فأذعت في الخامس عشر من يونيو/حزيران 1936 بلاغي الأول الذي عرف بالبلاغ الأزرق.
 
من جهة أخرى رأيت أن أسلك بكم طريق التأني والهوادة تجاه سياسة الدولة المنتدبة، لكي لا يقال عني إني لجأت منذ البدء إلى العنف وأغلقت باب التفاهم، ولكي أعطي الدولة المنتدبة فرصة لإظهار حسن نيتها، وسلوك سياسة التفاهم التي ادعت، تحت ضغط الحركة السورية القومية، أنها قد قررت انتهاجها. فتحملت، ورافقتموني في تحمُّلي، ضغط الملاحقات الثانية - والسجن المرة الثانية. وفي أثناء هذا التوقيف، الذي طال مدة أربعة أشهر ونصف، وجرى بأمر الحكومة اللبنانية، ابتدأ الاتصال المباشر الأول بين الحزب السوري القومي والمفوضية فاستقبل رئيس الغرفة السياسية وفد قبرصي - مراد وأظهر رغبته في الاجتماع بي بعد انتهاء التوقيف.
 
وكانت الحكومة اللبنانية قد عجزت عن ضعضعة صفوفكم على الرغم من محاولاتها التي استمرت كل مدة التوقيف. فاتصل بي الوفد وأنا لا أزال في السجن وأبلغني رغبة رئيس الغرفة السياسية فقبلت الاجتماع به. وبعد خروجي من السجن جرت المقابلة الأولى بيني وبين رئيس الغرفة السياسية في المفوضية الفرنسية السيد كيفر. وكانت المقابلة ودية أظهرتُ فيها كل التساهل الذي تسمح به قضيتنا القومية. وأفهمت السيد كيفر أنّ مصالح سورية وفرنسة المتبادلة توجب على المفوضين الفرنسيين الاعتراف بحركتنا والتفاهم معنا. ولكن رئيس الغرفة السياسية كان يطمع - على ما يظهر - بالحصول على أكبر من هذه النتيجة مني فقال «إننا أيضاً نودُّ حصول التفاهم فأبواب المفوضية تكون دائماً مفتوحة لاستقبالكم.» فظهر لي من هذه العبارة نوع المناورة السياسية التي قررت الغرفة السياسية في المفوضية الفرنسية القيام بها.
 
وهذه المناورة تعني تسليط الحكومات المحلية علينا في لبنان والشام وفتح أبواب المفوضية لنا للالتجاء إليها. فقلت لرئيس الغرفة المذكورة: «إنّ الوصول إلى تفاهم يقتضي وضع القواعد الأساسية التي يمكن أن ينشأ عليها التفاهم. وإننا مستعدون من جهتنا للقيام بنصيبنا من العمل لتسهيل الوصول إلى هذه القواعد الأساسية.» فتركت باب الاتصال مفتوحاً من غير أن أقبل الإلتجاء إلى أبواب المفوضية الفرنسية المفتوحة لكل من يريد الإذعان للسياسة الفرنسية.

ثم جاءت مسألة لواء الإسكندرونة فما صبرتُ على هذه المسألة لحظة واحدة. فنشرت في الحال مقالاً في جريدة الشرق البيروتية كان أول مقال وضع هذه المسألة أمام الشعب السوري. ثم وضعت مذكرة وجّهتها إلى الجمعية الأممية وإلى الدول الصديقة أبيّن فيها أنّ الحزب السوري يعدُّ مسألة اللواء مسألة حيوية للأمة السورية وينكر وجود أي أساس حقوقي لتركية في هذا اللواء السوري، وحذّرت من الاعتداء على الحقوق السورية. ثم كلفت رئيس المكتب السياسي في الحزب السوري القومي الاتصال بالغرفة السياسية في المفوضية الفرنسية وإبلاغها وجهة نظر الحزب. ثم أرسلت كتاباً إلى المفوضية الفرنسية أبلغها فيها استعدادكم للدفاع عن حدود الوطن الشمالية، وأني أتمكن من وضع القوات الكافية لتأمين حقوقنا. وفي الوقت نفسه أصدرت توجيهات بالاتصال من جديد برجال «الكتلة الوطنية» وحكومتها لدرس هذه المسألة. ثم اجتمعت بنفسي برئيس الوزارة الشامية السيد جميل مردم. ولم أكن أعلّق أي أمل على الجانب الفرنسي، ولكن الوزارة الكتلوية كانت في موقفها، عوناً للسياسة الفرنسية ضد المصلحة القومية. فقد قال لي رئيس الوزارة الشامية صراحة، إنّ معاليه لا يعدُّ نزع لواء الإسكندرونة عن جسم الوطن خسارة لسورية بل يعدُّه خسارة لتركية! فلم أرَ صواباً في ذلك الوقت أن أزجكم في حرب ضد فرنسة وتركية والحكومات المحلية في وقت واحد. وكانت التأكيدات لنا من المفوضية أنه لن يصير تساهل في حقوق السيادة السورية على اللواء. فرأيت أن أصبر فتكون لفرنسة فرصة جديدة للبرهان على حسن نيتها.

أما الآن فقد تغيرت الحال. فقد سقطت تلك الشركة السياسية التي عُرفت باسم «الكتلة الوطنية» وأصبح يمقتها حتى الذين كانوا - لعهد قريب - من أركانها. فهي قد قدمت طابق إفلاسها. وشيئاً فشيئاً أخذت التأكيدات الفرنسية بالمحافظة على السيادة السورية في لواء الإسكندرونة تتلاشى. فبعد أن نفضت فرنسة يديها من كل معاهدة مع سورية، ساومت تركية مساومة نهائية على لواء الإسكندرونة وغيره من الأراضي السورية وقدمت ذلك اللواء الغالي ثمن محالفتها تركية. وبعد كل ذلك قررت تقسيم الشام إلى أربع مناطق يحكمها مستشارون فرنسيون بواسطة نفعيين من السوريين.

تجاه هذه الأحداث وتجاه الأحداث البريطانية في جنوبي سورية، أعلن باسمكم، أنّ جميع المساومات والتسويات والاتفاقيات التي عقدتها أو تعقدها دولة منتدبة على سورية أو على جزء منها، وكانت آيلة إلى تعديل وحدة الوطن السوري ووحدة الأمة السورية، هي مساومات وتسويات واتفاقيات فاسدة فلا فرنسة ولا دولة أجنبية غيرها تملك أي حق للتصرف بشبر واحد من ميراثكم.

وباسمكم أعلن أنّ الاتفاقية التي سلّمت فرنسة بموجبها لواء الإسكندرونة إلى تركية، هي اتفاقية باطلة وتكون خيانة لعهدة الجمعية الأممية وتعدياً على أرض الوطن وعلى حقوق الأمة السورية الصريحة. وإنّ مشروع التجزئة الجديد هو مشروع استعمار مطلق لا يقبله الشعب السوري الحر.

وباسمكم أعلن أنّ وعد بلفور هو تعدٍّ على حقوق الأمة السورية الصريحة. وإنّ جلب اليهود إلى بلادنا، تحت حماية قوانين فُرضت علينا بالقوة، لا يعطي أية سلطة في العالم حق مساواة اليهود بالشعب السوري في حقوق سيادته القومية. وإنه لا بريطانية ولا غيرها من الأمم تملك حق تعديل الحقوق السورية القومية أو حق تقرير مصير أي جزء من الوطن السوري.

وإليكم أقول: إنّ دور الشركات السياسية الذي كان لعباً بمصير الأمة والوطن خَطِراً، قد انتهى وجاء دور عمل السوريين القوميين لتعطيل المساومات والتسويات والاتفاقيات المجرمة ولإنقاذ الأمة والوطن من تلاعب الإرادات الأجنبية.

أيها السوريون القوميون،
منذ هذه الساعة يبتدىء عملكم العظيم!
إنّ سياسة الصبر والاحتمال قد انتهت فكونوا في أماكنكم مستعدين!

أيها الشعب السوري،
أيها الشعب الحي،
إنّ الحزب السوري القومي قد جاءك بالعقيدة التي تعبّر عن وجدانك القومي وتظهر شخصيتك وتقويها، وتوحد مصالحك تجاه المصالح الأجنبية وتوسعها، وتثبت مركزك في العالم فتفتح لك مجال الصناعة العظيم الذي يتسع له وطننا، وتنمي مواردك الزراعية التي تكفي وحدها لنحو عشرين مليوناً من أبنائك يعيشون برفاه وتحميها، وتدعم تجارتك بقوة الدولة القومية المؤسسة عليها، وتؤسس مجتمعك تأسيساً جديداً متيناً على دعائم مبادئها الاجتماعية والاقتصادية التي تقيم العدل الاجتماعي - الاقتصادي، وتقضي على عوامل التهديم الاقتصادي والتفكيك الاجتماعي، وتقيمك أمة حية، متجانسة قوية، منيعة. ولكن النفعيين الذين باعوا منافعهم الخصوصية بمصالحك، كرهوا مجيء الحزب السوري القومي وتأسيسه للمصلحة القومية على قواعد صحيحة لا تسمح بالتلاعب ولا باستمرار قيام المنافع الفردية على حساب مصلحة الشعب. فأسرعوا إلى محاربته وإلى التمسك بعناصر الحالة الراهنة المخزية وهي عناصر التعصب الديني الذي فرّق صفوف الأمة وجزَّأ وحدتها. وغذّوا هذه العناصر المؤذية بروح النفاق الذي اشتهروا به. فقالوا للمسلم: حارب النهضة السورية القومية لأن المسلم يجب أن لا يتخلى عن الجامعة الإسلامية وفكرة الدولة الدينية الإسلامية - العربية. وقالوا للمسيحي:
حارب الحزب السوري القومي لأن المسيحي لا يقدر أن يتحد مع المسلم في مجتمع واحد فيجب أن يبقى المسيحي منعزلاً عن المسلم وألا يفكر إلا بدولة صغيرة للمسيحيين تعيش في كنف دولة مسيحية. فبعد أن كنا أمام مسألة تعصب ديني بسيط، ضمن حدود الشعب السوري، يمكن العمل على حلها فيه، إذا بهم يولدون مسألة تعصب ديني مركّب بالنفاق يشرك جماعات كثيرة في الشرق والغرب في قضية الشعب السوري. فأثاروا النعرة الدينية الإسلامية وألبسوها لبوس قضية عربية مصطنعة، وأثاروا النعرة الدينية المسيحية وألبسوها لبوس قضية لبنانية مصطنعة. وفيما هم يبذلون كل جهودهم في شطر الأمة السورية إلى هذين الشطرين وإيجاد حالة تقضي عليها بالانحلال والاضمحلال، نكاية بالحزب السوري القومي ومقاومة له، يقفون بكل وقاحة بين الناس ويقولون:
«حاشا لنا أن نستغل النعرات الدينية لمآربنا! نحن أصحاب دعوة قومية!» فما أعظم هذه الدعوة «القومية» التي تريد هلاك الأمة السورية وخرابكم، أيها السوريون، أنتم وعيالكم وأجيالكم، فتذهبون فريسة المطامع الأجنبية التي تجدكم غنيمة باردة، ولا تعود تقوم لكم قائمة أبد الدهر!

إنّ الظروف المحيطة الآن بأمتكم هي ظروف فاصلة. إنها ظروف صراع بين الحياة والموت بالمعنى الحرفي. وفي ظروف هذا الصراع تلوح فرص لا يمكن أن تقدَّر قيمة اغتنامها بالمقادير العادية ولا أن تقاس نتائجها بالمقاييس الخصوصية.

إنّ هذه الظروف فاصلة مهما كانت الطريقة التي ستُّتبع في حل الأزمة الإنترناسيونية ولست أرى لحل هذه الأزمة سوى طريقتين: إما طريقة تسليم الإمبراطوريات المحافظة بمبدأ إعادة النظر في توزيع موارد العالم وقبولها التنازل عن حصص كبيرة للإمبراطوريات المتجددة، وفي هذه الحالة تحسب سورية في جملة الموارد التي ينظر في توزيعها. وإما طريقة الالتجاء إلى الحرب في التنازع على هذه الموارد.

في كلتا الحالتين يكون خطر هائل للأمة السورية إذا بقيت في تخاذلها مستسلمة لخزعبلات الشركات السياسية وشعوذة النفعيين المنافقين. وإلى جانب الخطر الهائل تكمن فرص النصر لقوة الأمة الموحدة الإرادة.

أيها الشعب السوري،
الآن يترتب عليك أن تقرر لنفسك أحد المصيرين: مصير النعرات الدينية والتقاطع والسقوط أو مصير النهضة السورية القومية ووحدة الإرادة والقوة والنصر!

إنّ السوري الحي يختار طريق الحياة السورية القومية - طريق النصر!
 
 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro